إيران في سوريا والعراق: من دعم الحلفاء إلى ترسيخ النفوذ

للكاتبة: هدى رؤوف

في إطار مشروعها نحو الهيمنة، عملت ايران على توظيف العلاقات الأيديولوجية من جهة ورفع شعارات نصرة المستضعفين من جهة أخرى. واعتاد النظام الإيراني استخدام الشعارات على النحو الذي يجعل التدخل في أزمات الدول المجاورة له وكأنها لتقديم المنافع إلى الحلفاء، في حين أن كل الدول التي تدخلت إيران في أزماتها اتسمت بطول أمد الصراع من جهة، واستخدام تلك الدول كساحات لترسيخ النفوذ الإيراني من جهة أخرى، وهو ما يتضح في الحالين السورية و العراقية، على النحو الذي يوضح كيف استخدمت إيران أزمات الدولتين بما يستنفد مواردهما الاقتصادية والمادية ويدخلهما في علاقات تبعية طويلة الأجل لا تعود بالنفع عليهما في المقابل.

الحال السورية

أدى نجاح إيران في مشروعها السوري إلى تضخيم ثقتها بنفسها، وسعت طهران الآن إلى الاستفادة من نجاحها في سوريا وتوسيع نفوذها الإقليمي، بينما قبل عام 2011 رأت طهران سوريا كحليف وشريك يوفر الوصول إلى لبنان وحزب الله، واعتباراً من عام 2016 بدأت إيران تنظر إلى سوريا كأصل في حد ذاتها وكجبهة ثانية ضد إسرائيل إضافة إلى لبنان، وفي ما يتعلق باهتمامها بالوجود بالقرب من البحر الأبيض المتوسط سعت إيران إلى الحصول على موافقة سورية على بناء قاعدة بحرية على الساحل السوري، وترسيخ نفسها في سوريا ببنية تحتية استراتيجية (بما في ذلك الصواريخ بعيدة المدى ومنشآت إنتاج الصواريخ)، وسعت إيران إلى بناء ما أصبح يعرف بـ”الجسر البري” عبر العراق وسوريا إلى لبنان.

كانت هناك روايات عدة تم تداولها بين النخبة الإيرانية لتبرير التدخل الإيراني في الصراع السوري دعماً للأسد، الرواية الأولى هي حماية ما يسمى محور المقاومة، وهو أحد المبادئ الثابتة في السياسة الخارجية لإيران، كامتداد لخطابها المعادي للإمبريالية، ومن ثم موقفها ضد إسرائيل والولايات المتحدة، اللتين سمتهما بالقوى المتغطرسة، لذا كثيراً ما تحدثت عن مواجهة أبدية بين معسكرات “الإمبريالية العالمية” و”الأمم المضطهدة”.

وجهة النظر الأيديولوجية تلك أصبحت مهيمنة في صنع السياسة الخارجية الإيرانية على وجه الخصوص بعد تنامي نفوذ “الحرس الثوري” في السياسة على مدى العقدين الماضيين. ووفقاً لهذا الرأي، فإن الولايات المتحدة وإسرائيل النموذجان الأساسيان للمعسكر الإمبريالي. ومن هنا اندلعت الأزمة في سوريا وما أعقبها من تطورات تم النظر إليها بشكل أساس من قبل القيادة الإيرانية على أنها امتداد للصراع الدائم بين الإمبريالية والمقاومة.

وبحسب وجهة النظر الإيرانية فإن القوى الإقليمية والعالمية التي كانت تهدف إلى تدمير جبهة المقاومة هي من حفز المؤامرة في سوريا. وهناك روايات أخرى للنخبة الإيرانية تحدثت عن مكافحة الإرهاب، كما تحدثت عن حماية الأماكن المقدسة والأضرحة.

في البداية كان التدخل في الصراع السوري بالنسبة إلى إيران للحفاظ على بقاء الأسد، إذ لن يؤدي انهيار نظام البعث في سوريا إلى إزالة النظام الحليف في المنطقة، لكنه سيهدد عمليات الاستحواذ الإيرانية والنفوذ في المنطقة، فمع تغيير النظام في سوريا سيصعب الوصول إلى لبنان، مما يؤدي في النهاية إلى إضعاف “حزب الله”، وقد ينذر بالخطر بالنسبة إلى الحكومة الموالية لإيران، والتي يهيمن عليها الشيعة في العراق.

على هذه الخلفية، اتبعت إيران استراتيجيتين متزامنتين تجاه الصراع في سوريا، الأولى هي الدفاع الكامل عن نظام الأسد من خلال تزويده بالمعدات العسكرية والاقتصادية اللازمة، كما اعتمدت استراتيجية إيران الثانية على المسار الدبلوماسي لإنقاذ الأسد والحفاظ على النفوذ الإيراني في سوريا.

في المراحل الأولى من الصراع، اقتصر الدعم الإيراني للأسد على تزويده بالمعدات العسكرية والدعم اللوجيستي والمستشارين العسكريين، وكانت إيران من نصحت الأسد بقمع التظاهرات الشعبية في البداية، وبمجرد أن تحولت الاحتجاجات المناهضة للنظام إلى نزاع مسلح طويل الأمد ابتداءً من عام 2012، بما يشكل تهديداً لحكم الأسد، حشدت إيران وسائل عسكرية وموارد اقتصادية واسعة النطاق، وتم نشر القوات الإيرانية وتعبئة المقاتلين الشيعة من الدول المجاورة.

وتحملت إيران أعباء اقتصادية، نظراً إلى الدعم العسكري والاقتصادي، تفوق طاقتها، وتزامنت تلك الكلف مع تدهور الأوضاع الاقتصادية في الداخل الإيراني وتصاعد الغضب الشعبي واستمرار التظاهرات في السنوات الخمس الأخيرة.

فقد دفعت إيران للميليشيات الشيعية وجهزتها، كما زودت سوريا بقروض ذات فوائد منخفضة ومنتجات نفطية مخفضة أو مجانية، ومنحتها أكثر من 5.6 مليار دولار كائتمان لتمويل واردات سوريا من النفط والمواد الغذائية، إضافة إلى ذلك، قدمت إيران بعض المساعدات من أجل تلبية حاجات المواطن السوري الأساسية.

عملت إيران جاهدة على منع أي تدخل عسكري، ولا سيما أميركي، يؤدي إلى تغيير النظام في دمشق، ومن ثم فقد أيدت أي اقتراح لا يتصور تغييراً فورياً للنظام. وعملت مع تركيا وروسيا على خلق مسار دبلوماسي هو مسار أستانة.

في مقابل كل ما قدمته إيران من دعم متعدد الأوجه للنظام السوري منذ بدء الحرب، انتقلت الأهداف الإيرانية من مجرد الحفاظ على بقاء الأسد إلى جني ثمار الدعم الذي منحته، ومن ثم فإن الأنشطة الإيرانية في سوريا قد تم توجيهها لغرضين، الأول هو تعزيز التعاون العسكري بين البلدين، حيث وقع وزيرا الدفاع أمير حاتمي وعبدالله أيوب اتفاق تعاون عسكري عام 2018، وفي عام 2020 تم توقيع اتفاقية من أجل تعزيز التعاون العسكري والأمني، وتضمنت الاتفاقية نشر منظومات الدفاع الجوي الإيرانية في سوريا، واستهدفت منها إيران الحد من اعتماد الأسد على نظام الدفاع الجوي الروسي.

الجانب الآخر للنشاط الإيراني هو أنها تسعى الآن إلى جني بعض المكاسب الاقتصادية، ففي مقابل الدعم المستمر للأسد تتوقع إيران دوراً أكبر في إعمار البلد. وفي هذا الصدد، منح النظام السوري الشركات التابعة لـ”الحرس الثوري” الإيراني العقود المتعلقة بإعادة إعمار الكهرباء ومحطات الطاقة وخطوط النقل، كما منحت شركة الاتصالات الإيرانية TCI)) الحق في بناء شبكة الهاتف المحمول في سوريا، كما تتوقع طهران أيضاً بناء خط سكة حديد يربط إيران عبر العراق بميناء اللاذقية السوري، كما تحاول بناء خط أنابيب غاز يمتد من حقل غاز جنوب فارس الإيراني إلى سوريا.

إن دوافع إيران ودورها واستراتيجيتها والوسائل المستخدمة فيها تطورت مع تطور الصراع السوري، ففي البداية كانت الأهداف المعلنة أنها دفاعية، وللحفاظ على نظام الأسد في السلطة، ولمنع الخصوم الإقليميين من الحصول على موطئ قدم في سوريا، ومع الوقت انخرطت إيران في إنشاء عملاء في سوريا من شأنهم تعميق نفوذها هناك. وانطلقت الاستراتيجية الإيرانية في سوريا إلى الحفاظ على النفوذ الإيراني عبر ترسيخ القوة العسكرية الإيرانية والشبكات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.

الحال العراقية

كانت إيران منخرطة بعمق في السياسة العراقية منذ سقوط نظام صدام حسين عام 2003. وارتبطت بأكثر من عشرة أحزاب سياسية عراقية، كما مولت ودربت الجماعات شبه العسكرية المتحالفة مع هذه الأحزاب. وأعلنت بعض الجماعات شبه العسكرية التابعة لقوات “الحشد الشعبي” العراقي ولاءها للمرشد الإيراني علي خامنئي. واستخدمت هذه الجماعات العنف لسحق الجماعات المعارضة للنفوذ الإيراني، كما عملت على طرد القوات الأميركية المتبقية في العراق.

لدى إيران في العراق مصلحتان: الأولى منع قيام حكومة في بغداد قد تصبح معادية لطهران مرة أخرى كما حدث عندما حدثت حرب العراق وإيران (1980 – 1988)، والهدف الثاني لإيران هو إخراج القوات الأميركية من العراق والمنطقة ككل واستغلال موارد العراق لتعويض خسائرها الاقتصادية.

لذا كان العراق ثاني أكبر شريك لإيران في عام 2021، وأكبر سوق للمنتجات الإيرانية غير النفطية، كما اعتمد العراق على إيران في واردات الغاز الطبيعي والكهرباء، وقد منحته الولايات المتحدة إعفاء من العقوبات المفروضة على قطاع الطاقة الإيراني، كما يشترك البلدان في الموارد المائية، التي تأثرت في العراق لأن تغير المناخ وبناء السدود الإيرانية يحدان من وصول المياه إلى العراقيين في اتجاه مجرى النهر، كما مثلت جهود تمويل إعادة الأعمار أحد الطرق التي حاولت بها إيران زيادة دورها الاقتصادي في العراق.

في النهاية تحولت سوريا والعراق بفعل الدعم والانخراط الإيراني إلى أداتين لمزيد من النفوذ الإيراني في الشرق الأوسط.

نقلا عن “اندبندنت عربية”

شاهد أيضاً

إيران .. نظام ولاية الفقيه في طريق مسدود!

الكاتب: عبدالرحمن کورکی (مهابادي) النظام الإيراني يحتضر. بعد 45 عامًا من حكم الملالي، أصبح الشعب …