شهران… لإمتحان إيران

الكاتب: خيرالله خيرالله

يبقى أهمّ ما في البيان المشترك السعودي – الصيني – الإيراني الكلام الوارد فيه عن تأكيد السعوديّة وايران “احترام سيادة الدول وعدم التدخل في شؤونها الداخلية”. ليس واضحا التفسير الإيراني لهذه العبارة وما إذا كانت تقتصر على التدخل الإيراني في شؤون المملكة، عن طريق اليمن، أم أن الأمر يتعلّق بسلوك “الجمهوريّة الإسلاميّة” في مجمله، بما في ذلك سلوك ميليشياتها المذهبيّة المنتشرة في المنطقة.

ثمة شكوى عامة من سلوك ايران في العراق وسوريا ولبنان واليمن تحديدا. ليس معروفا هل تستطيع الصين، راعية الاتفاق السعودي – الإيراني، تأمين انضباط “الجمهوريّة الإسلاميّة” على الرغم من العلاقة الخاصة التي تربط بيجينغ بطهران والإتفاق الإستراتيجي بينهما.

من هذا المنطلق، بدا واضحا أن ثمة حاجة إلى مدة شهرين لإمتحان إيران قبل استئناف العلاقات الديبلوماسيّة بين الرياض وطهران. سيكون سلوك ايران خارج حدودها موضع مراقبة دقيقة في هذين الشهرين. على “الجمهوريّة الإسلاميّة” الإجابة عن سؤال هل هي دولة طبيعية أم لا؟

من المفيد العودة إلى السياق الذي وردت فيه عبارة “احترام سيادة الدول وعدم التدخل في شؤونها الداخلية” لمحاولة فهم أهمّية هذه العبارة ولماذا يمكن وصفها بالعبارة المفتاح في ما يخصّ مستقبل العلاقة السعوديّة – الإيرانيّة وبالتالي الخليجية – الإيرانيّة.

جاء في البيان: “تعلن الدول الثلاث أنه تم توصل المملكة العربية السعودية والجمهورية الإسلامية الإيرانية إلى اتفاق يتضمن الموافقة على استئناف العلاقات الديبلوماسية بينهما وإعادة فتح سفارتيهما وممثلياتهما خلال مدة أقصاها شهران، ويتضمن تأكيدهما احترام سيادة الدول وعدم التدخل في شؤونها الداخلية، واتفقا أن يعقد وزيرا الخارجية في البلدين اجتماعاً لتفعيل ذلك وترتيب تبادل السفراء ومناقشة سبل تعزيز العلاقات بينهما، كما اتفقا على تفعيل اتفاقية التعاون الأمني بينهما، الموقعة في 22/1/1422هـ، الموافق 17/4/2001م (…)”.

ما يدعو إلى الحذر أنّ ايران لم تلتزم يوما إتفاقية التعاون الأمني مع السعودية، وهي إتفاقية موقعة في العام 2001، أي قبل اثنين وعشرين عاما. لم تكن العلاقات الديبلوماسيّة مقطوعة بين البلدين وقتذاك. ما الذي تغيّر حتّى يصبح في الإمكان التفاؤل بتغيير إيراني في العمق في أيّامنا هذه؟

الأكيد أنّ ثمّة اهتماما سعوديا خاصا باليمن وما يدور فيه، بل يمكن الحديث عن تركيز سعودي على اليمن وعلى الكيان الذي أقامه الحوثيون (جماعة انصار الله) في الشمال اليمني منذ 21 أيلول – سبتمبر 2014. ليس معروفا هل يشمل الاتفاق السعودي الإيراني مستقبل الكيان الحوثي الذي لا يشبه سوى الكيان الذي اقامته “حماس” في قطاع غزة منذ منتصف العام 2007… أم الأمر يتعلّق بمجرّد هدنة؟

يصعب الوثوق بالحوثيين الذين لديهم احلامهم اليمنية التي ليست سوى أحلام يقظة. لكنّ السؤال هل اقتنعت ايران أخيرا بأنّ الإستثمار في الجماعة الحوثية استثمار لا أفق له، تماما مثل الإستثمار في “حزب الله” في لبنان والميليشيات المتنوعة التي ترعاها في سوريا والعراق. حسنا، أوصل “حزب الله” ايران إلى البحر المتوسط. ماذا بعد ذلك؟ ما الثمن الذي دفعه لبنان واللبنانيون لقاء ذلك؟

كان لافتا لدى توقيع البيان الثلاثي المشترك في بيجينغ وجود وزير الخارجيّة الإيراني امير حسين عبداللهيان في دمشق. لا يمكن أن يكون ذلك مجرّد صدفة. يعني وجوده تأكيد “الجمهوريّة الإسلاميّة”، لكلّ من يعنيه الأمر، أن سوريا مستعمرة ايرانيّة لا يمكن التخلي عنها. مثل هذا التوجه الإيراني لا يبشر بالخير في منطقة تحتاج أوّل ما تحتاج إلى وضع حدّ لمشروع توسّعي لم يجلب سوى البؤس والدمار حيثما حلّ.

من المنظور الدولي، لا شكّ أنّ البيان الثلاثي إنتصار صيني. استطاعت الصين تحقيق ما عجزت الولايات المتحدة عن تحقيقه. أظهرت الصين أنّها تمتلك علاقات ومصالح مع كلّ من المملكة العربيّة السعوديّة و”الجمهوريّة الإسلاميّة” في آن. لكنّه يفترض أن ترافق ما يمكن وصفه بالإنتصار الصيني بعض التحفظات، خصوصا أنّه يأتي في وقت هناك تحسّن واضح في العلاقات الأميركيّة – السعوديّة وتغيير في موقف إدارة جو بايدن من شخص وليّ العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان.

لعلّ أفضل دليل على هذا التغيير، الذي يمكن وصفه بتقارب بين واشنطن والرياض، الزيارة التي قام بها لكييف أخيرا وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان واللقاء الذي عقده مع الرئيس فولوديمير زيلنسكي. الأهم من ذلك كلّه أن السعودية قدمت لأوكرانيا أخيرا مساعدات يصل حجمها إلى نصف مليار دولار. كانت الزيارة التي قام بها وزير الخارجية السعودي لكييف بمثابة تعبير عن تجاوب الرياض مع الخطوات الإيجابية التي أقدمت عليها إدارة بايدن تجاه المملكة.

بغض النظر عن إثبات الصين قدرتها على التقريب بين السعودية وايران، يبقى الأهمّ. أيّ القدرة لدى بيجينغ على تدجين ايران وإقناعها بلعب دور إيجابي في المنطقة بدل متابعة الرهان على صواريخها الباليستية وطائراتها المسيّرة وميليشياتها المذهبيّة… وعلى سقوط فلاديمير بوتين في حضن “الجمهوريّة الإسلاميّة” نتيجة غرقه في الوحول الأوكرانيّة.

لعبت الصين، من خلال البيان الثلاثي، دورا لم يسبق لها أن لعبته على الصعيد العالمي. هذا لا يعني زوال القضايا الشائكة التي لا تزال عالقة بين السعوديّة والجانب الإيراني. في مقدّم هذه القضايا الشائكة التفسير الواضح لعبارة “الإحترام الواضح لسيادة الدول وعدم التدخل في شؤونها الداخليّة”.

بين توقيع إيران لبيان ترد فيه هذه العبارة والتزامها بالفعل مضامين عدم التدخل في شؤون الدول الأخرى هوة كبيرة… ليس معروفا هل تستطيع الصين ردمها!

سيكون ردم الهوة امتحانا للصين اكثر مما هو امتحان لإيران حيث نظام معروفة طبيعته. سيكشف ذلك ما اذا كان الرئيس شي جينبينغ في وضع القادر على لعب دور على الصعيد الدولي وأن يكون بالفعل وسيطا في حرب أوكرانيا على سبيل المثال وليس مجرد مستفيد من المأزق الروسي.

شاهد أيضاً

القدر

فضائل ليلة القدر

مَنْزلتها: مِن نِعَم الله – سبحانه وتعالى – على هذه الأمة أنْ جعل لها مواسمَ …