في غزة سيرك إيراني إسرائيلي بدم فلسطيني

منذ أن اختطفت حركة حماس الإسلامية غزة والحياة في القطاع (الفلسطيني) أشبه بالجحيم المتقطع.

ولكن “المتقطع” صفة مجازية يربطها البعض بالقنابل التي تُسقطها الطائرات الإسرائيلية على رؤوس أهل غزة. ولكن الحياة في حقيقتها هناك كلها جحيم بسبب الأوضاع الاستثنائية التي تفرضها حماس على الأهالي الذين وجدوا فجأة أن السبل قد تقطعت بهم. فلا هم من مواطني السلطة الفلسطينية ولا هم تحت احتلال رسمي كما هو حال سكان فلسطين المحتلة.

حيرة أهالي غزة الوجودية تكمن في أنهم قد اختطفوا حين اُختطفت المدينة التي قُدر لهم أن يقيموا فيها. قدر لا يمكن لأحد مناقشته. وإن ناقشه فإن عليه أن يلتفت إلى إيران. ما هذه المعادلة الغريبة؟ الدليل على ذلك أن قادة حماس حين يقومون بمغامراتهم لا يتصلون بأحد سوى بقادة إيران الذين هم مرجعيتهم الثابتة. وحين أقول حماس فإن جماعة “الجهاد الإسلامي” مشمولة قولا وفعلا.

غزة مدينة محاصرة إسرائيليا بسبب موقعها. ذلك مؤكد. لكن المؤكد أيضا أن غزة محاصرة من الداخل. فمَن من سكان غزة يجرؤ على الوقوف ضد سياسات حماس؟ وإن فعل متهورا فماذا سيكون مصيره؟ حماس ليست دولة وإن صارت تتوهم أنها كذلك. في حقيقتها هي مجرد ميليشيا تجاهر بشرعية وجودها من خلال تبنيها لنهج ديني متشدد لا أثر للوعي الوطني فيه بالرغم من أنها ترفع اسم فلسطين شعارا. ولكن أية فلسطين تلك التي تفكر حماس نيابة عنها؟

فلسطين الإيرانية هي بالتأكيد ليست فلسطين العرب ولا فلسطين الفلسطينيين. ذلك كلام ليس معقدا. غالبا ما تتعرض إيران لضربات إسرائيلية تستهدف وجودها العسكري في سوريا. ما من تعليق يصدر عنها ولا شرح لما يمكن أن يقع. لا تجرؤ إيران حتى على التصريح بإمكانية أن ترد يوما ما على الضربات الإسرائيلية. وإذا ما كانت إسرائيل توجه ضربات وقائية فذلك لا يعني أنها لا تعرف أن السلاح الإيراني الذي تدمره لم يكن موجها ضدها.

تعرف إسرائيل كل شيء وزيادة، ولكنها لا ترغب في أن يكون الإيرانيون جيرانها، ذلك لأنها لا تثق بهم. فهم يكذبون دائما. وهي تعرف أن فلسطين التي يتحدثون عنها بدموع هي من صناعتهم وليست فلسطين الحقيقية. يحارب الإيرانيون العرب بفلسطين هي من اختراعهم ولا يقتربون من حدود فلسطين المحتلة من قبل إسرائيل. لعبة إسرائيلية لا أعتقد أن زعماء حماس والجهاد الإسلامي لا يدركون حجمها وأبعادها.

ربما نجح الإيرانيون في أن يجعلوا من غزة فخا لاستفزاز إسرائيل. وهو ما ينسجم مع رغبة زعماء حماس والجهاد الإسلامي في صنع أشكال متعددة لسيرك دموي من شأن استمرار عروضه أن يعطل أي شكل من أشكال الحوار الفلسطيني ــ الفلسطيني. فما دامت خطوط التماس ملتهبة فلا معنى لأي صوت يعلو على صوت المعركة.

ليست إسرائيل غبية لكي تُجر إلى حروب ليست في مصلحتها في كل مرة ترغب إيران في ذلك. إسرائيل هي الأخرى لديها مشكلاتها الداخلية التي تهرب منها بصخب صاروخي وصفارات إنذار ومسيرات نحو الملاجئ وقلق دولي يفتح أمامها خزائن أموال غير متوقعة. إسرائيل تربح في كل حرب (تُفرض عليها) فهي ليست دولة مسكينة. وهي دولة بمزاج مالي شرس. وهو ما تشترك به مع إيران التي لا تخسر شيئا حين تقدم غزة طعما لهلاك متجدد. ولكن الدولتين اللتين تتحاربان على أرض غزة لا يمكنهما في الوقت الحالي أن تلتقيا على مائدة مفاوضات واحدة. تتمنى إيران لو أن حاخاما يهوديا دعا لها في صلاته داخل إسرائيل. وهي تكره فلسطين لأنها تقف عقبة بينها وبين الدولة التي تنافسها في كراهية العرب. ربما تتفوق إيران في كراهية العرب على إسرائيل. وذلك قدر تاريخي لا أظن أن مقاومي غزة لم يتعرفوا عليه إلا إذا كانوا يجهلون ما الذي تعنيه الشاهنامة التي يقدسها الإيرانيون.  

كل الخطابات الحماسية التي يطلقها زعماء الحرب من غزة هي أكاذيب يضحك منها الإسرائيليون والإيرانيون في سرهم. ليس هناك أي معنى لشروط تفرضها “المقاومة الإسلامية” على إسرائيل في مقابل قتلى بالمئات وخراب يتسع ومدينة تعرض سكانها للشفقة العالمية. كذبة تطرزها الصواريخ بألاف الشعارات المذهبية والعاطفية. ولكن هل يصدق أهل غزة ما يجري لهم؟ من الإنسانية أن لا نظلم أهل غزة. هناك رياء كثير يحيط بهم.

نقلا عن “ميدل ايست اونلاين”

شاهد أيضاً

القدر

فضائل ليلة القدر

مَنْزلتها: مِن نِعَم الله – سبحانه وتعالى – على هذه الأمة أنْ جعل لها مواسمَ …