انهيار العملة الإيرانية مؤشر لمرحلة ركود اقتصادي حاد

مازالت النظرة العامة حول الاقتصاد الإيراني يحيطها الإحباط، ومؤشرات سلبية للغاية لما ستؤول إليه الأمور في القادم، ولا شك أن جرس الخطر بدأ يعلو وتزايدت مشاعر القلق من صوته، فالتحذيرات والنداءات التي أطلقها خبراء الاقتصاد خفتت في ظل عدم الإصغاء مع جمود فكري تعانيه البلاد من الناحية السياسية والاقتصادية مع ما كشفته ملفات الفساد من تأزم آخر وعقدة تلاشى الأمل من حلها.

نتائج سيئة خلفها عبث السياسة الاقتصادية على الوضع الاقتصادي في إيران، وشكلت مخلفاتها شبكة حاضنة لآفات الاقتصاد التي أنتجت بعضها البعض بسبب عدم وجود إدارة سليمة لملف الأزمات الاقتصادية، ما أدى إلى ارتفاع حاد للتضخم وهبوط الريال الإيراني إلى مستوى تاريخي جديد أمام الدولار لينذر بمرحلة ركود اقتصادي جديدة أكثر حدة وخطورة.

لقد تسارع هبوط العملة الإيرانية بعد انتخاب الرئيس الأميركي دونالد ترمب، الذي هدد بإلغاء الاتفاق النووي الذي أبرمته إيران مع القوى العظمى ورفعت بموجبه العديد من العقوبات العالمية، وزاد من حدة الهبوط فشل سياسة الاقتصاد المقاوم الذي نادى به المرشد الإيراني علي خامنئي، ناهيك عن مؤامرات الحرس الثوري والتيار المتشدد الهادفة إلى إجهاض أي مشروع إصلاحي تكون باكورته وضع مقدمات لمكافحة الفساد الذي أصبح عماد النظام الإيراني.

وفي جديد الأمر أن سعر الريال الإيراني هبط إلى مستوى قياسي جديد أمام الدولار يوم أمس الأحد ليواصل هبوطه المستمر منذ 6 أشهر، ويخسر نحو 19% من قيمته رغم رفع العقوبات عن طهران، ليثبت مرة أخرى أن العقوبات الاقتصادية على إيران ليست هي السبب في تردي الوضع الاقتصادي وارتفاع التضخم وهبوط العملة، بل إن سوء الإدارة وتضخم الفساد بأشكاله هو وراء الركود الاقتصادي، ولم تكن العقوبات سوى شماعة يعلق عليها الحرس الثوري وبيت خامنئي فشلهم في إدارة البلاد، وغطاء لإخفاء حجم الفساد الذي أصبح منظما وأساس حكم الملالي في طهران حسب ما أثبته بعض المسؤولين الإيرانيين وعلى رأسهم أحمد توكلي الذي اعترف بتفشي الفساد في كافة أركان ومؤسسات البلاد وحذر من أن الفساد سيؤدي إلى إسقاط النظام الإيراني معتبره أكثر خطورة من هجوم عسكري أو ثورة مخملية.

وفي آخر صدمة للاقتصاد الإيراني، فقد بلغ سعر العملة الإيرانية الريال 41300 أمام الدولار بانخفاض عن 34600 للدولار، ما يوسع الفجوة بين السعر الرسمي الذي لا يزال مثبتا عند 32300 ريال للدولار، حيث تطبق إيران نظامين لسعر الصرف، الأول سعر السوق الحر الذي تجاوز كما ذكرنا الــ 40 ألف ريال للدولار، والآخر رسمي يستخدم في بعض المعاملات المالية الرسمية ويحدده البنك المركزي بنحو 32300 ريال، وبهذا يكون أكبر هبوط شهدته العملة الإيرانية أمام الدولار منذ 14 عاما، وحسب رأي الخبراء فإن هبوط العملة الإيرانية أمام الدولار سيستمر وخاصة مع بداية العام الميلادي الجديد، وتفعيل السياسات الترامبية تجاه إيران والتي تسعى إلى وضع حد لإرهاب الإيراني، حيث أصبح المجتمع الدولي يرى في تحسن الوضع الاقتصادي لإيران دعما للإرهاب وعدم الاستقرار، فأصبح الاقتصاد الإيراني بفعل سياسات النظام الإيراني المدمرة والمتمردة مرتبط بشكل وثيق بدعم الإرهاب، لأن النظام الإيراني وعن طريق حرسه الثوري يخصص الجزء الأكبر لمشروع تصدير الثورة والتوسع الصفوي والتدخلات الخارجية من خلال دعم الجماعات الإرهابية في منطقة الشرق الأوسط، في حين تبقى المشاريع التنموية الداخلية قيد الانتظار وفي خانة التهميش.

وحسب ما ذكره أحد سماسرة العملة في طهران، فإن البنك المركزي كان في السباق يضخ الدولارات في السوق للحفاظ على مستوى الريال، إلا أنه خفض عمليات الضخ في الأسابيع الأخيرة، وعادة ما تتردد البنوك في التعامل مع الاقتصاد الايراني وتخشى من تبعات العقوبات الأميركية المتبقية التي لم ترفع بعد الاتفاق، والبنوك الدولية الكبرى لا تزال ترفض العمل مع إيران، وهو ما يحول دون عودة أموال النفط.

وحسب تقرير نشرته “أسوشيتد برس”، فإن عدم تدخل البنك المركزي، إضافة إلى عدم تعاون البنوك الدولية في عملية إعادة دولارات النفط، أدى إلى هبوط العملة الإيرانية نحو 17% منذ الاتفاق النووي حتى الآن، وهو ما سيلقي بظلاله على مجرى الانتخابات الرئاسية القادمة.

ومازالت البنوك الدولية والشركات التجارية الكبرى ترفض العودة أو الاستثمار في إيران رغم إنهاء العقوبات، ويعود ذلك إلى فقدان ثقة المجتمع الدولي وشركات الاستثمار والبنوك بالاقتصاد الإيراني لتفشي الفساد فيه بشكل منظم وسيطرة الحرس الثوري عليه وفقدانه للشفافية، جميع ذلك جعل من الصعب إبرام اتفاقيات تجارية واستثمارية أو إقامة علاقات مالية وتجارية.

المصدر|مركز المزماة للدراسات والبحوث

شاهد أيضاً

كريم سجاد بور: قليل من الناس يعتقدون أن وفاة رئيسي كانت عرضية

كتب كريم سجاد بور، المحلل في مؤسسة كارنيجي، على شبكة التواصل الاجتماعي إكس: “وفاة إبراهيم …