الورقة الفلسطينية وإيران

الكاتب: فواز حداد

مهما كانت ذرائع إيران، فقد تخلت عن غزة، بالأحرى عن القدس، إيران لم تحرك ساكنا، وتركت فلسطين وحيدة. هذا هو الانطباع العام الذي تخلف للوهلة الأولى عقب ٧ اكتوبر، فقد كان حجم التوقعات مع بداية عملية “طوفان الأقصى” كبيرا جدا، وأن إيران قد أعدت لها، إن لم تكن قد خططت لها أيضا. بدت الفرصة سانحة لتحرير فلسطين وليس غزة. 
عموما هذا ما كان تحالف بلدان المقاومة يوحي به للشعوب العربية على مدى سنوات. 
هذه الدعايات، دفع ثمنها السوريون الفاتورة الأكبر من الضحايا، لتبرير دخول حزب الله إلى سورية، الذي اتخذ طريقه إلى القدس من القصير إلى ريف دمشق وبلداته وحمص وحماه وحلب، ودمر منازل وحرق حقول وقتل أهالي … كم كان الطريق إلى القدس طويلا؟ 
طبعا، لو شارك تحالف المقاومة في حرب غزة، لما حرروا القطاع ولا الضفة، لكنهم كانوا أنقذوا ارواحا تعد بالآلاف، فأعداد الشهداء قاربت ثلاثين الفا. أما الدمار فشامل، غزة لم تعد غزة، أحياء كاملة سويت بالأرض، لا يمكن مقارنتها إلا بالخراب السوري الجائر، إسرائيل بحكم الجوار استمدت دمار غزة من تدمير سورية رغم سوابقها العديدة طوال خمسة وسبعين عاما، وعازمة على تهجير أهالي غزة، ليس على نسق قيام النظام السوري بتهجير مواطنيه. وان كان ثمة تشابها في التهجير الطوعي، فالجحيم في غزة لا يقل عن الجحيم السوري، ما سيؤدي الى المسارعة للهجرة بكافة الوسائل برا وبحرا وجوا، والنزوح إلى الصحراء تحت قصف الطائرات والدبابات والمسيرات، وتلاحقهم الى المخيمات، وهو ما يحدث بشكل همجي في ادلب السورية. 
كان “وحدة الساحات”، مجرد شعار أطلق على المنابر والقنوات الفضائية، ولم يتحقق واقعيا كما روج له، فإيران لديها حساباتها الإقليمية والدولية، وحزب الله لديه حساباته الإيرانية واللبنانية، فكان التعاطي على الجبهات مقيدا، ولم تكن مناوشات الميليشيات المذهبية مع الامريكان بالحجم المؤثر، ولم يكن اشتباكات الحدود أكثر من مشاغلات رغم انها كانت مؤلمة للأطراف. بينما الحوثيون أخذوا يزعجون الملاحة الدولية ويؤِثرون فيها، ولا نقلل من شأنها بالتأثير في إسرائيل وأمريكا. لكن لم يكن هذا هو المأمول من محور المقاومة، فإيران أعلنت منذ اليوم الاول أن حماس لم تستأذنها في القيام بعملية عسكرية، فهي وحدها من يعطي الضوء الأخضر. ولم تعط الضوء الأخضر لحزب الله، لئلا تُحرق لبنان. أما النظام السوري فليس بحاجة لإعطائه أي ضوء، كأنما لا وجود له على الخارطة، كان خارج المعادلة. بينما أمريكا أعطت الضوء الأخضر لإسرائيل بحرق الأخضر واليابس، كناية عن حرق آلاف البشر، لم توفرهم اسرائيل على مدار الساعة، واصبحت غزة خرابا، وخارج الحياة الموت يسري فيها. 
 
بالعودة إلى مهزلة وحدة الساحات التي ما زالت قائمة، ففي جميع الأحوال، لن يتحرك الأسد، طالما انه مدين لإسرائيل وأمريكا في بقائه رئيسا، لولاهما لما كان اليوم يقصف الأطفال والنساء والشيوخ بمشاركة الميليشيات الايرانية وحزب الله، بدعم من الروس. مع انه ضلع فاعل في محور المقاومة، لم يشعر بأدنى حرج، بل كان من الشامتين بحماس وغزه. والمؤكد أن الأسد الرابض على الحدود، لا يحلم بالجولان ولا يريدها. الحرب الوحيدة التي خاضها كانت حربا شعواء ضد شعبه الإرهابي، واستجر خمس احتلالات، بهدف الحفاظ على الإرث بشتى الوسائل، بموجب قانون الوراثة. لم يقبل بالتفاهم مع شعبه، لكنه رضخ للمحتلين الذين جاء بهم. 
قدمت انتهاكات النظام السوري نماذج حية عن القتل والتعذيب، ها هم الإسرائيليون يفتقون أثره، مع ان باعهم في هذا المضمار لا يستهان به، لا سيما بالاغتيالات. يشعر الاسد بتميزه عن إسرائيل، حتى ان جرائمه بررت للوحشية الإسرائيلية جرائمها ما منحها البراءة، لم يحاسب على ما ارتكبه، مع ان ما أوقعه من القتلى يناهز المليون ضحية، ودمار لا يعادله دمار سوى في الحرب العالمية الثانية، وسجل نحو ثمانية ملايين مهجر… لا رئيس دولة في العالم حقق هذا الرقم حتى في زمن ستالين، ما يرشحه لموسوعة جينس. عدا عن المعتقلين الذين بعد مرور أكثر من عشر سنوات، لم يفرج عنهم وبينهم أطفال ونساء، لا أحد يفهم السر في الاحتفاظ بالأطفال والرضع، مهما كان حجم ما لفق من اتهامات لآبائهم وأمهاتهم. 
 
المروع انه لا يوجد جهة في العالم تحاسبه، هل لأنه مثل إسرائيل فوق القانون؟ لا، السبب انه مارس حقه الشرعي، فالشعب شعبه، لم يقتل إسرائيليين، قتل رعايا الدولة السورية وفلسطينيين عوملوا خلال الثورة مثلهم تماما؛ اعتقلوا وعذبوا وحوصروا وجاعوا وقتلوا وسجنوا ونزحوا وهُجروا … ومجزرة التضامن الرهيبة المصغرة شاهد علي المجزرة السورية الكبرى التي لحقت بهم جميعا. 
اليوم لا هم له الا إيجاد السبل والوسائل لنهب الاهالي وتطفيشهم من البلد، وترسيخ سورية كبلد مصدر للكبتاغون إلى أسواق بلدان الخليج الراغبة في التطبيع معه، مثلما يطبعون مع إسرائيل. علاقاته الاوربية مع بيوتات الأزياء جيدة، يمكن معرفتها من حمولات آخر تقليعاتها الرجالية والنسائية التي تصل بانتظام إلى القصر الجمهوري بمواعيدها حسب المواسم الأربعة. 
يطرح وجود الميليشيات المذهبية في سورية، الكثير من التساؤلات: إذا كانوا ينشدون الدفاع عن فلسطين، لكنهم لم يتورعوا عن قتل الفلسطينيين مثلما يقتلهم الإسرائيليون. وإذا أخذوا على عاتقهم القضية الفلسطينية. فلماذا لم ينقذوا الفلسطينيين من براثن الأسد المفترس؟ أخيرا، ما الذي يجعل “حزب الله” مثلا على حق في قتل السوريين؟ 
 
يشكك سوريون بحرب غزة، ويخشون ان تصب في مصلحة إيران، ولا يخفون حذرهم من إيران لا من حماس، يدركون مأزقها في تخلي العرب عنها. ولا يجهلون أيضا ان اقدارها مع العرب وليس من دونهم. اما نقمتهم على محور المقاومة، فلا يمكن اخفاؤها، في الماضي والحاضر. في حرب غزة، بدل ان تتوجه صواريخ النظام والميليشيات الإيرانية وحزب الله في سورية الى إسرائيل، قصفت بوحشية مخيمات النازحين في ادلب حيث يموتون جوعا وبردا في خيام مكشوفة. 
لم تكن التضحية بالسوريين تحت عنوان القدس الا مبررا لقتلهم وتهجيرهم، وهي أصلا اكذوبة كغيرها من أكاذيب، محور الطغيان لا يقل اجراما عن إسرائيل وأمريكا. ليست وحدة الساحات وانما تجيير الساحات للتمدد الإيراني.، واحتلال للشعوب تحت مظلة المقاومة. 
سقطت ورقة القدس، سقطت ورقة الأقصى، سقطت ورقة فلسطين. 

شاهد أيضاً

القدر

فضائل ليلة القدر

مَنْزلتها: مِن نِعَم الله – سبحانه وتعالى – على هذه الأمة أنْ جعل لها مواسمَ …