تبريد الساحة الإقليمية إيرانياً

الكاتب: امجد اسماعيل الأغا

من بيروت الى دمشق وصولا لصندوق البريد الأميركي في الدوحة، كان لزاماً على الدبلوماسية الإيرانية أن تُرسل موفدها إلى المنطقة، وفي حقيبته ما يكون سبباً لتبريد الملفات الساخنة، والبحث عن مخارج تُبقي السياسية الإيرانية ضمن أطر المناورة واقتناص الفرص، وإن بدت زيارة وزير الخارجية الإيراني على أنها دعماً لحركات المقاومة وتعزيزاً لوحدة الساحات، إلا أن اللقاءات التي جمعت حسين أمير عبداللهيان مع قادة المحور، تعكس قلقاً إيرانياً واضحاً من الانجرار إلى حرب إقليمية تُذهب المكتسبات الإيرانية أدراج الرياح، خاصة أن المنطقة تشهد قرعاً متزايداً على طبول الحرب، جراء تداعيات حرب غزة، الأمر الذي دفع بإيران إلى محاولة الالتفاف الدبلوماسي على أعداءها ومنع قطع شعرة التواصل معهم، ضمن عناوين المفاوضات من تحت الطاولة، التي قد تؤسس لاتفاق تسوية توصل إلى برّ الأمان بعد كل هذا الخراب الحاصل، ما يفتح نافذةً تُعيد الأمور إلى نصابها.

تُدرك إيران ووكلائها في المنطقة، أن النار التي أعقبت يوم السابع من تشرين الأول/اكتوبر 2023، لن تُحيل دبابة الميركافا حُطاماً فحسب، بل ستصل حمم النار إلى ما هو أبعد من ذلك، وهي وصلت فعلاً إلى قادة الصف الأول في الحرس الثوري الإيراني، المتمرسين في دمشق، وكذا قادة “المقاومة الفلسطينية” في لبنان، ولذلك فإن حقيبة أمير عبداللهيان حملت رسائل تهدئة في توقيت إقليمي حرج، توازياً مع نوايا البيت الأبيض حيال الذهاب إلى تسوية لوقف الحرب في غزة، خاصة مع اقتراب الملف الاكثر حساسية لإدارة بايدن في هذا التوقيت، والمتضمن اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة.

ضمن ذلك فإن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، لديه تصوراته الخاصة والمُحددة بالإصرار على إكمال الحرب، لرد الاعتبار والهيبة للمؤسسة الأمنية والعسكرية لإسرائيل، والأخير يُصر على التوجه إلى رفح علها تكون طوق نجاة يمنع مركب نتنياهو من الغرق، ورغم ذلك لجهة نوايا نتنياهو بالاستمرار في الحرب وبأي الأثمان، فإن إيران لا تريد حقيقةً توسيع الحرب والإنجرار إليها بشكل مباشر لاعتبارات سياسية كثيرة، لكنها في ذات التوقيت لا تمانع من إبقاء فصائلها تحت النار. ولعل الضربة التي نفذتها الولايات المتحدة بعد مقتل جنودها الثلاث بشن غارات على أهداف موالية لإيران في المنطقة، قد وجهت خطاباً قوياً لإيران، يردعها عن الانزلاق المباشر في الحرب.

التحركات الدبلوماسية الإيرانية وإن كان طابعها تضامناً ودعماً، إلا أنها أوامر بتخفيف الهجمات ضد القواعد الأميركية في سوريا، وابقاء تلك الهجمات ضمن الخطوط الحمراء الأميركية، الأمر الذي يعني صراحة رغبات إيرانية تبريد المنطقة الساخنة في الإقليم، وإعادتها إلى ما كانت عليه.

بهذا المعنى فإن الخطاب الإيراني تُجاه فلسطين وتحريرها و”إبادة إسرائيل” قد يضعها في مأزق أمام جمهور المقاومة، خاصة أن إيران لم تستطع أن تقدم شيئاً لحماس والقضية الفلسطينية بصورة عامة، والشعارات التي كانت تطلقها لم تستطِع ترجمتها إلى أفعال، وخير دليل على ذلك ما يحصل في غزة. وربطاً بذلك فإن لدى إيران خشية من إنفلات عقد المقاومة بين إيران وحماس، في ظل أدارك الأخيرة أن طهران لم تقدم لها شيئاً كبيراً، في الوقت ذاته ترغب إيران في أن تحافظ على قواعد الاشتباك بينها وبين واشنطن، وعدم الانزلاق إلى حرب إقليمية مفتوحة، أما إطلاق القذائف من قبل فصائل إيران فهي لا زالت ضمن قواعد الاشتباك المتفق عليه.

زيارة أمير عبداللهيان إلى المنطقة تأتي ضمن سياسة تبريد الجبهات، وعدم الرغبة في التورط بحرب إقليمية لا تقوى إيران على الانغماس بها بصورة مباشرة، وإيران التي تُجيد اقتناص الفرص الإقليمية واستثمارها سياسياً، فإنها تسعى إلى خفض حدة التصعيد والعودة إلى المربع الأول، لاسيما أن هناك معلومات عن قرب التوصل إلى تسوية بشأن غزة. هي تسوية ستؤيدها إيران حُكماً لتفادي الوقوع في المحظور، وهي في هذا الإطار تعد العدة لحملات إعلامية، لإظهار طهران أنها كانت الفاعل واللاعب الأكبر في عملية غزة، بل وصاحبة “الإنتصار”، بينما تشير الحقائق إلى عكس ذلك.

ترجمة ما سبق جاء عبر المؤتمر الصحافي لأمير عبداللهيان في ختام زيارته للعاصمة اللبنانية، حيث أشار إلى أن المنطقة ذاهبة نحو الاستقرار والأمن والحل السياسي بخلاف ما يريده رئيس الحكومة الإسرائيلية، وأردف أن “نتنياهو يريد أخذ البيت الأبيض رهينة له وعلى واشنطن الاختيار بين ذلك أو الذهاب إلى الحل السياسي”.

ترى إيران أن حالة الاشتباك في الإقليم بعد السابع من تشرين الأول 2023 تتصاعد، وقد وصلت التطورات إلى الحد الذي يجب من خلاله تهدئة الأوضاع، الأمر الذي تستثمره إيران للدخول القوي على رسم المعادلات الإقليمية من موقع الشريك الفاعل والمؤثر، وبعيداً عن خسائر إيران في صفوف مستشاريها العسكريين في سوريا، إلا أن طهران تنظر إلى هذا الأمر كمعادلة ووظيفة، كما أن سوريا ولبنان والعراق وباب المندب يشكلون المسرح الحقيقي لتبادل الرسائل، وهي رسائل تراهن إيران من خلالها على لعب دور في إعادة فتح قنوات تواصل جديدة بينها وبين واشنطن، بحيث تمنع الانزلاق نحو مزيد من التصعيد والوقوع في الحرب، وتساعد في التأسيس لمرحلة من تفاهمات مختلفة حول مستقبل المنطقة لا تسمح بإخراج إيران من المعادلة. وبالتالي لابد من تبريد الساحة الإقليمية إيرانياً للمزيد من الاستثمارات في المفاوضات القائمة مع واشنطن عبر الخط الساخن القطري.

نقلا عن ” ميدل ايست اونلاين”.

شاهد أيضاً

القدر

فضائل ليلة القدر

مَنْزلتها: مِن نِعَم الله – سبحانه وتعالى – على هذه الأمة أنْ جعل لها مواسمَ …