غزة:«مصحة الأمل» تُحارب المخدرات بالعسل والرياضة

حاول الشاب العشريني أحمد، من سكان مدينة غزة، أن يعالج نفسه من إدمان المخدرات داخل المنزل بمساعدة عائلته، ولكن محاولاته باءت بالفشل، بسبب عدم وجود مراكزَ ومصَحاتٍ خاصةٍ بالمُدمنين.

أحمد ليس وحده من لم يجد العلاجَ المناسب للإدمان في غزة، فعدمُ توفُّرِ الأساليبِ المتعارف عليها في غزة، يعرقل تحقيق النتائج المرجوة لمحاربة الإدمان.

ولكن بعد السنوات الثلاث التي أدمن خلالها تعاطي عقار “الترامادول” وجد هذا الشاب الرعاية في مصحة افتتحتها مؤخراً الإدارة العامة لمكافحة المخدرات في غزة، بالتعاون مع وزارة الصحة الفلسطينية أطلق عليها “مصحة الأمل”.

طرق خاطئة

ويقول أحمد في حديثه لـ”هافينغتون بوست عربي”: طوال الفترة الماضية لم أَجِد من يرشدني للتخلص من الإدمان “فكافة الوسائل التي كان يتبعها والدي تتلخص في الضرب والمنع من المصروف، ولم تؤدِ لشفائي، ولكن بعد افتتاح أول مصحة لعلاج المدمنين في غزة قررت أن أعالج بها للتخلص من السموم التي أتناولها.

ويوضح الشاب أنه بعد معرفته بافتتاح أول مصحة لعلاج المدمنين بغزة، أصبحت لديه رغبة بالعلاج، فتوجه للإدارة العامة لمكافحة المخدرات لمساعدته على التخلص من إدمانه لعقار “الترامادول”، ولتلقي العلاج والرعاية الكاملة التي افتقدها بالمنزل.

عوامل مشجعة

ويشير أحمد إلى أن الأساليب المتبعة داخل المصحة مثل الإرشادات العامة، وتقديم النشرات اليومية، والأدوية بمواعيدها، وعدم الضرب والإهانة، كانت من العوامل التي شجعته على الاستمرار في العلاج للتخلص من الإدمان وعدم العودة له مرة أخرى.

أما بلال (26 عاماً)، فقال “لهافينغتون بوست عربي” إن إدمانه للمخدرات كان عن طريق أصدقائه، مشيراً إلى أن البداية كانت بجرعات خفيفة إلى أن أصبحت كبيرة، يحتاج لتعاطيها أكثر من احتياجه لشرب الماء.

ويضيف: “وصلت لمرحلة من الإدمان جعلتني لا أهتم بأهلي وأصدقائي ولا بأي شخص آخر، كل ما كان يهمني هو تناول الجرعة التي يحتاجها جسمي”، مشيراً إلى أنه كان ينوي الإقلاع عن تناول المخدرات، ولكن عدم وجود مصحات متخصصة لعلاج الإدمان في الفترة الماضية حال دون تحقيق ذلك”.

عزيمة قوية

يقول بلال: كانت لدي عزيمة قوية للإقلاع عن تعاطي عقار (الترامادول) الذي أنهك جسدي، لأعود إلى حياتي الطبيعية كما كنت بالسابق، فتوجهت إلى مصحة (الأمل) فور افتتاحها لأكون أول من يتلقى العلاج بداخلها، مشيراً إلى أن “القائمين على المصحة ساعدوه كثيراً، فهم يعملون على زيادة عزيمتهم وإصرارهم وتحديهم”.

وبابتسامة رُسمت على وجهه، يقول: “أحمد الله كثيراً، وأشكر كل من ساعدني كي أتخلص من هذا الإدمان لتعاطي عقار الترامادول الذي أوشك على إنهاء حياتي، فالآن أتلقى الرعاية الكاملة ولا أشعر بالآلام والانهيارات العصبية التي كنت أتعرض لها عند توقفي عن تعاطي هذه السموم.

علاج مجاني

يقول مدير العلاقات العامة بالإدارة العامة لمكافحة المخدرات وعضو اللجنة الوطنية لشؤون المخدرات والمؤثرات العقلية في غزة الرائد حسن السويركي لـ”هافينغتون بوست عربي”، إن مشروع مصحة الأمل بدأ أولا كنموذج مقترح قُدم لوزارة الداخلية (التابعة لحركة حماس التي تحكم قطاع غزة)، وأصدرت الوزارة لاحقاً قراراً بإنشاء مستشفى لعلاج الإدمان مجاناً في القطاع.

وأوضح أن الوزارة “قررت قبل أن يبدأ العمل بالمصحة تقديم العلاج اللازم لنزلاء السجون من المدمنين”.

ويضيف: “فكرة إنشاء المصحة جاءت بعد لجوء عدد من مدمني المخدرات إلى الإدارة العامة لمكافحة المخدرات للتخلص من إدمانهم، كونهم لا يملكون النقود لدخول المصحات، وكذلك غير الراغبين في إطلاع أهلهم على إدمانهم، لافتاً إلى أنهم يسعون لعلاجهم مجاناً وفقَ خطة صحية ونفسية، بموافقة وزارة الداخلية.

وأشار إلى أنهم لا يتعاملون مع الأشخاص الذين يأتون إليهم كمجرمين؛ ولكن كمرضى ويعملون على علاجهم داخل المصحة وعدم تقديمهم للمساءلة القانونية ورفع الدعوى الجزائية عنهم.

ويوضح “الرائد السويركي”، أن عدداً من المدمنين من الصغار بالعمر والطلاب أتوا إليهم طلباً للتخلص من إدمان المخدرات، خاصة “الترامادول” وغيرها من المخدرات التي تُباع في نطاقات محدودة في غزة، خاصة أنهم غير قادرين على علاج أنفسهم.

ويجب أن ينتسب المدمن للمركز برغبته، أو برغبة أهله، ويملأ قبل دخوله نموذجاً لتحديد درجة إدمانه ورغبته في العلاج، وفق ما قاله السويركي.

وأوضح أن الإدارة العامة لمكافحة المخدرات هي التي تُشرف على المصحة التي بدأت العمل قبل أسبوعين، لأن الإدارة هي أول من سيتعامل مع المتعاطي ويتأكد من إدمانه.

الرياضة

ويوضح مدير العلاقات العامة لمكافحة المخدرات في غزة أن “مدير المصحة له خبرة سابقة في إدارة مراكز علاج الإدمان في الخارج، والهيئة الإدارية في المركز، التي تتكون من سبعة خبراء في الرياضة وعلم الاجتماع والنفس والإرشاد الديني والتوجيه السياسي”.

وعن توسيع خطة العلاج للمدمنين خلال الفترات القادمة، قال “سيتم تحويل الأشخاص الذين يتم إلقاء القبض عليهم متلبسين وبحوزتهم المواد المخدرة إلى المصحة، لقضاء أول خمسة عشر يوماً ليتعافوا من الإدمان، ثم ينقلون إلى السجن لمتابعة أحكامهم.

العسل والفواكه

بدوره يقول المسؤول عن استقبال وعلاج المدمنين داخل مصحة “الأمل”، الدكتور عبد الله الجمل: نظراً لزيادة عدد المدمنين في قطاع غزة كان لا بد من وجود مؤسسة رسمية صحية، تضمن إخضاعهم للعلاج بطرق علمية، فالقطاع الذي يزيد عدد سكانه عن مليوني نسمة لا لم يكن به مصحات لعلاج الإدمان قبل مصحة الأمل، بل كان الموجود مراكز تصرف الدواء كأي صيدلية.

ويوضح الدكتور الجمل، أنه نزلاء مصحة “الأمل” يتلقون معاملة خاصة، ويتناولون وجبات مميزة يدخل فيها العسل والحليب واللحوم والفواكه يومياً، ويخضعون لنظام رياضي مجهد.

ويشير الطبيب المعالج إلى أن الحالات التي ستعالج خلال خطة العلاج، التي تدوم من 15 يوماً إلى 90 يوماً، ستخرج من المصحة لإتاحة الفرصة لحالات جديدة، مؤكداً أن النزلاء يبيتون فيها، ويخضع المدمن قبلَ قبوله في المركز إلى عدد من الفحوصات العامة، وفحوصات لمعرفة نسبة المخدر في الدم والبول وفحص آخر لاكتشاف الأمراض المعدية.

سرية تامة

ويوضح الدكتور أن “برنامج العلاج اليومي 14 ساعة، في كل ساعة برنامج معين، لافتاً النظر إلى أن المصحة عبارة عن مكان لإعادة تأهيل المدمن بواسطة اختصاصيين نفسيين واجتماعيين لتقبل العلاج، وإعادة الاندماج مع المجتمع، وخاصة مع أسرته وأقربائه مشيراً إلى أن العلاج داخل المصحة يكون بسرية تامة حفاظاً على شعور الإنسان المدمن الذي يريد التعافي من إدمانه”.

وأوضح أن العلاج الطبي في المصحة مختلف عن السائد بالعالم العربي، لن يكون بالتدرج المُتبع في مصحات علاج الإدمان في الوطن العربي، قائلاً: “وفقَ تجربتنا اكتشفنا أن العلاج بالمجهود ناجح جداً، فمن يحتاج إلى المخدر ندفعه للعب الرياضة والركض حتى يتعب وينام، وإن لم يتحمل نعطيه مسكناً عادياً كالـ”أكامول” والعقارات الخفيفة والمسموحة طبياً”.

شاهد أيضاً

إسبانيا والنرويج وإيرلندا تعترف بدولة فلسطين

وبحسب قناة “NRKI” الرسمية وصحيفة “أفتنبوستن” نقلاً عن مصادر مجهولة، فإن حكومة النرويج ستعلن الاعتراف …